5‏/4‏/2012

دمعة بين الحقيقة و الخيال


ما أجمل شذى البحر. إن لرائحته أجمل الأثر على نفسي خاصة وقت الغروب، يشعرني بالاسترخاء و يبعث في نفسي النشوى. حدث ساجد نفسه بهذه الكلمات بينما كان يتمشى على شاطئ البحر. و بينما يواصل سيره على شاطئ البحر فإذا به يلمح شيء يلمع على رمال الشاطئ كشمس صغيرة. كان هذا الشيء ذو شكل بلوري جميل و انعكاس أشعة الشمس الغاربة عليه جعله يتألق في بهاء و روعة. أمسك ساجد بهذا الشيء و تمتم قائلا: ترى ماذا تكون أيها الشيء الغريب؟ إنها المرة الأولى التي أرى فيها شيء مثلك.

لم يقصد بهذه الكلمات سوى أن يفكر بصوت عالي. لكن لدهشته فوجئ بهذا الشيء يتحرك و يتمتم ببضع كلمات لم يفهمها لأن صوت هذا الشيء كان خافتا فطلب منه أن يعيد ما قاله و اقترب بأذنه منه ليسمعه بوضوح فوجد هذا الشيء يقول له: عجبا، ألا تعرفني حقا؟ ألست من البشر؟
فأشار ساجد برأسه علامة الإيجاب فتابع الشيء الغريب حديثه قائلا: إذا فكيف لا تعرفني إنني ملازمة لكل بشري، يجدني معه في أوقات فرحه أو حزنه.

تراجع ساجد برأسه في دهشة و قال: حزنه! ماذا تقصد بالحزن؟ ما هو؟ ما كنهه؟ صعق الشيء البلوري لقول ساجد و قال له: هل يوجد بشري لا يعلم ما هو الحزن؟ لقد ظننته رفيقكم في حياتكم، إنك أول من أجده لا يعرف للحزن معنى. ألم تشعر من قبل بالكآبة، بالبؤس ، باليأس أو بفقدان الأمل؟ ألم تفقد من قبل عزيزا بسفر أو بموت؟

رد عليه ساجد قائلا: لقد سمعت عما تقوله من بؤس و يأس و كآبة لكنني لم أشعر.بهم من قبل. إنني حتى لا أعلم ما الأسباب التي تدعوني للشعور بمثل هذه المشاعر، لقد عشت حياة جميلة هادئة، كل ما أريده أجده . يحيطني الدفء و الحنان من كل المحيطين بي من أهل و أقارب و أصحاب. لي حبيبة أعيش معها أجمل أوقات حياتي، لا أظن أن بين كل هذا من الممكن أن أشعر بالحزن أو بالكآبة. لكنك استدرجتني في الحديث و لم تخبرني من أنت أو ما أنت؟

رد عليه ذلك الشيء و لم تفارقه الدهشة من قول ساجد له: إنني دمعة. أكون مع قريناتي الدموع التي يزرفها الجميع باستثنائك طبعا، فأنت أول من أجده لا يعرفني. إن الناس تزرفني في الفرح وفي الحزن ، عندما يرحل عنهم أعزائهم و عندما يهجرهم أحبائهم. احتفظ بي فقد أنفعك يوما.

قال لها ساجد: لكنني بين كل ما حكيته لكي عن حياتي لا أجد ما يجعلني أحتفظ بك، فليس فيها بؤس ولا شقاء. تحركت الدمعة على كف يده و تمركزت في منتصفه و قالت له: احتفظ بي ولن تندم. لا تخف فليس هناك ما تخشى أن تفقده، أليس كذلك؟ أجابها أن نعم فقالت له: فقط ضم قبضتك على و ستجدني قد تغلغلت داخلك. وقد كان، فبمجرد أن ضم ساجد قبضته على الدمعة حتى شعر بإحساس غريب يتملكه. إنه يشعر و كأنه نائم قد استيقظ من غفوته التي طالت، أو كأنه ولد من جديد و صارت له حياة غير تلك التي حياها.

لم يقدر على مواصلة رحلته فعاد إلى بيته و استلقى على سريره و في أثناء نومه راودته أحلام غريبة شاهد فيها نفسه يجري من وحش مخيف، يطلب النجدة و ما من منجد. و عندما نجح في الفرار من ذلك الوحش وجد نفسه في صحراء شاسعة، شمسها حارقة و هو وحيد بلا زاد ولا ماء و لا أمل له في النجاة. لم يدر ماذا يفعل فأخذ يبكي. انتفض ساجد من نومه عندما وجد نفسه يبكي في منامه فهو لم يبك من قبل، لذا فقد تعجب من رؤية نفسه باكيا.

نفض ساجد هذه الأفكار عن رأسه وما هو إلا يوم أو بعض يوم حتى نسي ما كان من أمره مع الدمعة تماما و أخذ يواصل حياته كما كانت من قبل. يحيط به أصحابه و أهله و يسعد بحبه لحبيبته و ظل على سعادته التي أخذت تتزايد مع استعداده لحفل زفافه هو و حبيبته. لكن للأسف لا تأتي الرياح دائما بما تشتهي السفن، ففجأة و بدون مقدمات ماتت حبيبته قبل ميعاد زفافهما بيومين.

لم يتمالك ساجد نفسه، لم يعرف ماذا اعتراه، لم يدرك أن ما يشعر به الآن هو الحزن و الشقاء لفقد حبيبته لكنه وجد وجهه مبللا بقطرات لم يدر مصدرها.

وفجأة تذكر حلمه الذي رأى فيه نفسه باكيا. نعم ... إنه يبكي. مسح دموعه بطرف أنامله و نظر لها فوجد الدمعة التي كان قد نسي أمرها أو تناساه، هي أول الدموع التي تساقطت من عينيه. نظر إليها بعينيه المغرورقتين بقريناتها من الدموع و سألها قائلا: ألهذا خلقت؟ لتبعثي الحزن و الشقاء في حياتنا؟ لا أدري ما فائدتك حتى بعد شعوري بالحزن و بكائي. إني حقا لا أدرك ماذا استفدت منك فلقد كانت حياتي أروع قبل لقائي بك.

ردت عليه الدمعة بهدوء وهي مقدرة للحالة التي هو عليها: لست أنا سبب الحزن و الشقاء إنما الأقدار هي التي تسبب أفراحنا و أتراحنا. ما أنا إلا رد فعل لمشاعركم بني البشر. أما عن فائدتي قد لا تدركها الآن لغضبك و حنقك أما بالنسبة للكثيرين فإنهم يشعرون بالراحة عندما يبكون في أوقات الحزن و كأن ما كان على عاتقهم من أعباء و هموم قد جرفته الدموع مع انسيابها. و ذلك بعكس من يكتم الحزن في صدره ولا يصرح به بدافع الكبرياء أو الخجل فإن أحزانه تصبح أضعافا مضاعفة. يوما ما ستشعر بفائدتي و مدى احتياجك لي إن غبت عنك لفترة وكنت فيها حزينا يائسا لكنك عاجز عن التعبير عن حزنك. لكن الآن لا تلقي باللوم على و إنما على الأقدار.

0 التعليقات: