5‏/4‏/2012

أربعة في واحدة



لم كل هذا الضجيج و الجدال؟ لماذا لا يحترمون وجودي؟ يتجاهلونني كأن لا رأي لي في نقاشهم أو كأن قرارهم لن يمسني بضر سواء من قريب أو من بعيد؟ سأروي حوارهم لتقدروا مدى استيائي.

الأول يتنهد و قد فاض به الكيل: لقد تعبت، أنهكت و لا أدري لم لا تتوقف هذه السيدة عن طلب خدماتي و استشارتي في كل موقف؟ ألا يمكن أن تستغني عني ولو ليوم أو حتى لساعة؟

الثاني بحزن: كان الله في عوني، فقد أصابتني الشيخوخة المبكرة من قلة استعانتها بي و كأنني  سأتسبب في هلاكها إن ساعدتها في اتخاذ أي قرار؟

الثالثة بضيق و توتر: أما أنا فماذا أفعل و أنا ظمأى ، أتعطش للكثير ولا أجد من يطفئ نار ظمأي؟ أعلم أن تلك السيدة ما بيدها حيلة، لكن ما ذنبي أنا؟

الرابع بوهن:  أما أنا فأشعر أني مستهلك، كل ذرة مني مجهدة و أحيانا أصرخ من الألم و أحيانا أخرى من الاحتياج. لا تعتقدي يا ثالثتنا أن ظمأك لا يؤثر علي ، على العكس إنه يجعل محاولات صاحبتي و زوجها لإشباع رغباتي ما هي إلا محاولات تزيدني احتياجا.

قاطعه الأول بغضب: على الأقل عندما تشعر بالإجهاد فإنك تتوقف ... تتمرد ... تعترض على مساعدة هذه السيدة المثيرة للتعب. لكن أنا مهما بلغ إجهادي و تعبي فإنها لا تريحني مهما حدث.

أشاح الثاني بلا مبالاة: لا تتعجل الراحة، فستبلغها يوما ما ، مثلما حدث معي من بعد كثرة استخدامها لي و استعانتها بي قامت بتنحيتي جانبا حتى صرت أشعر كأني قطعة خردة صدئة.

ابتسمت الثالثة ابتسامة حالمة موجهة حديثها للثاني: آه كم أذكر تلك الأيام الرائعة التي كنا نتألق فيها معا و نجعل تلك السيدة في قمة النشوة و السعادة و الاكتفاء.

ضحك الرابع متهكما: نشوة و اكتفاء!! إن هذين هما اختصاصي.

تغيرت ملامح الثالثة معلنة اعتراضها و إقبالها على نوبة من الغضب: من قال ذلك؟  إن اكتفاءك و نشوتك ما هما إلا سعادة لحظية تنتهي بعد ساعة أو بعض ساعة.

أيدها الثاني بحماس موبخا الرابع قائلا: بالطبع لا تدرك معنى السعادة التي تجعل صاحبها محلقا في أفق واسع لا حدود له، تعطيه طاقة دائمة متجددة تدفعه دفعا للأمام و كأن قدرته على الحركة لا نهائية.

شرد الرابع لحظة و قال: معكما حق في بعض الأحيان أقوم بأشياء فوق قدراتي الطبيعية، منتهى النشاط و الحيوية و كأن بداخلي معين لا ينضب من الطاقة. إنها المرة الأولى التي أدرك أنكما سببها.

صمت الثلاثة للحظة عندما لمحوا نظرة أسى مصحوبة بتنهيدة عميقة تأتي من الأول الذي توقف عن مشاركتهم الحوار منذ فترة.

سألته الثالثة بقلق: ما بك؟ تنهيدتك تشعرنا أنك تحمل حملا ثقيلا.

صمت لحظة كأنه يستجمع أفكاره ثم نظر إليهم قائلا: إن هذه السيدة تحتاجنا جميعا معا.  كلنا نتكامل لنكون إنسانيتها لكن في النهاية هي بشر - واحد صحيح – و ليست أربعة لتعطي كلا منا انفرادا كاملا و سيطرة كاملة على حياتها، كذلك من المستحيل أن تضمن أجزاء متساوية لكل مننا في حياتها فهي ليست بآلة تتم برمجتها. و أنا متأكد أنها مستاءة من عدم إشباعنا بشكل متساوي أكثر من استياءنا .
ستأتي أوقات أظل أنا العقل منهكا بلا راحة و أوقات تعيش فيها أيها القلب ذروة تحكمك في صاحبك أو صاحبتك. و أنت أيتها الروح ستتأرجحين بين ظمأ و ارتواء حسب قدرة من يمتلكك على أن ينجو بك من الظروف المحيطة به. أما أنت أيها الجسد سيتغير حالك من عمر إلى عمر حتى تبلى و تفنى ربما أسرع من أي مننا.

خيم الصمت على أربعتهم و كأن على رؤوسهم الطير. هدأت حين وصل عقلي لهذا الاستنتاج الموجز الذي أعطى كل منهم فكرة عن شقائي في محاولة إشباعه ، و ارتحت لصمتهم الذي عبر عن قرارهم بالاستسلام لمتغيرات الأمور التي تجعلني أضع أولويات مختلفة لكل منهم في حياتي حسب الفترة التي أعيشها.
استسلمت لحالة من السكون فنمت بهدوء لأول مرة منذ زمن.


القصة منشورة

0 التعليقات: